مفهوم تأميم الشركات: ميزاته وعيوبه

امتلكت بريطانيا وفرنسا قناة السويس لمدة طويلة تقريباً 87 عاماً؛ إذ قامت بريطانيا بتأميمها مرات عدة، ثم في نهاية الأمر في عام 1956 أمَّمت مصر قناة السويس، فنتيجة لذلك غزتها إسرائيل وفرنسا بهدف حماية مصالحهما المتعلقة بقناة السويس؛ فهي الممر الوحيد للنفط الخام من الخليج الفارسي.



في عام 1971 أعلن الرئيس "هواري بومدين" عن تأميم المحروقات في الجزائر، وكان الهدف من ذلك هو استرجاع الثروات الباطنية والاستفادة من أرباح الشركات متعددة الجنسيات مثل "إيسو" وشركة "بريتش بيترليوم" الموجودة في الجزائر، وتبع ذلك صدور قرار متعلق بالمحروقات فأصبحت الجزائر تمتلك 51% كأقل تقدير من فوائد الشركات الفرنسية الموجودة لديها.

في لندن في عام 1970 صدر قانون متعلق بالشركات المصرفية، ويسمح هذا القانون بالاستيلاء على البنوك الكبرى؛ ونتيجة ذلك تم الاستيلاء حينها على 6 بنوك في عام 1980، فوصل العدد الإجمالي لبنوك القطاع العام إلى 28 بنكاً، لكن لم يستمر العدد نفسه إلى يومنا الحالي فقد انخفض العدد بعدها إلى 19 بنكاً، فهل التأميم هو السبب في انخفاض العدد؟

قبل معرفة إجابة السؤال السابق يجب التعرف إلى مفهوم تأميم الشركات لنتمكن من فهم ميزاته وعيوبه، وهذا ما سنقدمه لكم في مقالنا الحالي.

مفهوم تأميم الشركات:

هي عملية نقل سيطرة شركة أو صناعة معينة إلى الحكومة بقرار سياسي، ومن ثمَّ تتحول الشركة من قطاع خاص إلى قطاع عام، وقد يتم النقل من خلال نقل أصول الشركة أو من خلال نقل رأس المال فقط، وتقوم الدولة باستخدام المشروع الاقتصادي الذي تمت السيطرة عليه إما بالوقت الحالي أو في المستقبل بحجة أنَّ المجتمع بأكمله من حقه الاستفادة من هذا المشروع.

أسباب تأميم الشركات:

يحدث غالباً تأميم الشركات في البلاد النامية؛ إذ يرغب ذوو السلطة بالربح من المشاريع الرابحة في البلاد، والأسباب الأساسية لتأميم الشركات هي كما يأتي:

1. تأمين حاجات المواطنين:

تتذرع الحكومات بحجة وهي تحكُّم الشركة بحاجات المواطنين الأساسية، ولمنعها من استغلال الشعب ولتوفير السلع التي يحتاجها ليعيش، خاصةً إن كانت السلع غذائية، فيصبح الأمر أكثر ضرورة فتقوم الحكومة بتأميم الشركة، وفي حال كانت الخدمات الأساسية التي يحتاجها المواطن كالماء والكهرباء والغاز وما يشابه ذلك ملكاً شخصياً لفرد معين، عندها يجب على الحكومة تأميم هذه الشركة لتوفر الخدمات الأساسية للمواطن بشكل دائم وليس كما يرغب الفرد المالك للشركة.

2. أسباب استراتيجية:

قد توجد شركة في أرض الدولة تابعة لدولة أخرى، وإن حدثت حرب بين الدولتين تقوم الدولة بفرض سيطرتها على الشركة التابعة للجهة المعادية لها، وبالطبع الحجة حينها هي تنظيم اقتصاد البلد.

3. منع جهات أجنبية من الهيمنة على الاقتصاد:

وجود شركة تابعة لدولة أخرى في البلاد سيفترض وجود العديد من الفئات الأجنبية في البلاد، ومن ثمَّ ستخاف الحكومة من سيطرة هذه الفئات الأجنبية على اقتصاد بلادها فتقوم بتأميم الشركة لخفض نسبة الأجانب الموجودين لديها؛ لأنَّه سيتعين عليهم السفر إلى بلادهم.

شاهد بالفيديو: أكبر 5 تحديات في الاقتصاد العالمي الجديد وطرق مواجهتها

4. حاجة الدولة إلى المال:

في حال كانت الدولة بحاجة إلى رأس مال كبير، فيعُدُّ تأميم شركة خطوة تساعدها على الحصول على رأس المال، ومن ثمَّ سترتاح من الضغط المادي المتعرضة له.

5. أسباب سياسية:

سيطرة الحكومة على شركة تابعة لدولة أخرى موجودة على أرضها تسيء إلى الدخل القومي للدولة الأجنبية، ومن ثمَّ عند وجود خلافات سياسية بين الدولتين تقوم الحكومة بالسيطرة على الشركة التابعة للجهة الأجنبية للضغط عليها فترضخ لرغباتها وينتهي الخلاف بينهما.

6. منع المنافسة:

ويحدث ذلك عندما تقوم شركة خاصة بمنافسة الشركات الحكومية الخدمية التي تقدم الخدمات الأساسية للمواطن منافسة شرسة، وعندها تفرض الحكومة سيطرتها على هذه الشركة للحد من المنافسة مع الشركات الخدمية.

ميزات تأميم الشركات:

تأميم الشركات يعود بالعديد من الميزات على المواطن خاصةً وعلى حكومة البلاد عامةً على الرغم من كونه يُعَدُّ من مسببات الخسائر لبعض الشركات، إلا أنَّه يصب في مصلحة الكثيرين، ومن ميزات تأميم الشركات نذكر ما يأتي:

1. التوزيع العادل للموارد:

يساعد تأميم الشركات على منع امتلاك وسائل الإنتاج أو الثروات الموجودة في البلاد من قِبل جهة واحدة، فبتأميم الشركات يتمكن كافة أفراد المجتمع من الاستفادة من ثروات بلادهم.

2. ضمان توفر الخدمات الأساسية:

كما قلنا آنفاً إن كانت الخدمات الأساسية ملك شخص واحد فبإمكانه إمداد الشعب بها بالوقت الذي يريد، ويُعَدُّ هذا الموضوع مسبباً للكثير من الأزمات، ومن ثمَّ تأميم الشركة يمنع حدوث ذلك، وهذا يجعل المواطن على درجة أكبر من الراحة.

3. الحد من الاستغلال الخارجي:

وذلك في حال كانت الشركة تابعة لجهات أجنبية خارجية، ومن ثمَّ تأميم هذه الشركة يمنع تحكم واحتكار الجهات الخارجية لمستلزمات المواطنين.

عيوب تأميم الشركات:

ذكرنا آنفاً الميزات والفوائد التي تعود بها عملية تأميم الشركات على الحكومة، ولكنَّ الوضع مختلف بالنسبة إلى الشركات التي تطبق الحكومة عليها عملية التأميم؛ لذلك سنذكر لك الجانب السلبي لتأميم الشركات كما يأتي:

1. التدخل السياسي:

فعندما تكون الحكومة هي التي تدير الشركة، فسوف تديرها بحسب الاتجاهات السياسية لها، ومن ثمَّ سيحدث سوء في تخصيص الموارد، وقد تكون مصلحة الشركة بالتعامل مع جهات خارجية معينة، لكن بسبب اختلاف الحكومة معها نتيجة سلوكها أو اتجاهها السياسي ستمنع الشركة من التعامل معها ومن التطوير والربح.

2. الفساد:

قيام الحكومة بإدارة شركة معينة لا يعني أنَّها ستكون إدارة ممتازة؛ بل قد تكون إدارة سيئة وأسوأ من الإدارة الفردية لها، فقد سمعنا سابقاً عن الكثير من العمليات الفاسدة قامت بها الحكومات فسببت الإساءة إلى الشعب، ومن ثمَّ إن كانت حكومة البلاد فاسدة عندها تكون عملية تأميم الشركات من أسوأ القرارات المتخذة.

شاهد بالفيديو: 10 أمور تدل على سوء الإدارة في العمل

3. الاستغلال:

على الرغم من أنَّنا قلنا آنفاً إنَّ عملية تأميم الشركات تُعَدُّ حماية للمستهلك من تحكم أفراد أو فئات معينة بالسلع التي يستهلكها وبالخدمات الأساسية التي يحتاجها ليعيش، إلا أنَّ هذا الكلام غير دقيق دائماً، فقد تريد الحكومة استغلال المواطنين والتحكم بحياتهم لغايات معينة وربما فقط لتحقيق المكاسب المالية بصرف النظر عن حالة الشعب واحتياجاته، وبصرف النظر عن واجب الحكومة الأساسي وهو تأمين احتياجات الشعب لضمان حياة كريمة له قدر الإمكان.

4. انخفاض المبادرات الخاصة:

يسعى من يمتلك رأس مال جيد ويريد مضاعفته إلى استثماره في بلاده أو خارجها من خلال العمل وإنشاء شركات وإقامة مشاريع تعود بالأرباح عليه، لكن في حال كانت الحكومة تقوم بتأميم الشركات سواء حكومة بلاده أم حكومة البلاد التي يرغب بالعمل فيها فعندها يتردد كثيراً قبل البدء بأي عمل، وغالباً ما يتراجع لذلك تأميم الشركات ويؤدي إلى تراجع المبادرات الفردية شيئاً فشيئاً خوفاً على مستقبلهم بوجود هذه الحكومات.

5. عدم الكفاءة:

لن تهتم الحكومات كثيراً باختيار الأفراد ممن سيتولون إدارة هذه الشركة لاحقاً بعد السيطرة عليها، وقد تُعيِّن موظفين فيها بناءً على عوامل أخرى غير الشهادات العلمية والخبرات المهنية، إضافة إلى قيام الحكومات باستبدال العمالة المؤهلة والمهنية الموجودة سابقاً بأفراد بعيدين كل البعد عن هذا العمل، ومن ثمَّ عدم كفاءة الموظف ستؤدي إلى عدم القيام بعمله بالشكل المطلوب، وهذا ما سيدمِّر الشركة حتماً.

إضافة إلى عدم اهتمام الموظفين بتطوير العمل والربح، ففي الشركات الخاصة ربح الشركة يعود بالربح والفائدة على مختلف الموظفين، لكن عندما تكون الحكومة فاسدة فلن تعود تلك الأرباح على العاملين لديها، لذلك الشركات التي تم تأميمها من قِبل الحكومات لم تحقق نجاحاً ثم لم تستمر طويلاً؛ بل انتهى عهدها بفترة قصيرة من سيطرة الحكومة عليها.

6. غياب الروح التنافسية:

الروح التنافسية التي تتسبب في سعي الشركة إلى بذل قصارى جهدها لإثبات تميزها عن غيرها، لكن في حال كانت الشركة تحت سيطرة الحكومة سيتراجع الكثير من المنافسين كي لا يصل قرار التأميم إليهم.

إقرأ أيضاً: كيف يتم توزيع الحصص بين الشركاء في الشركات؟

في الختام:

عملية تأميم الشركات تعني فرض السيطرة من قِبل الحكومة على شركة معينة لتصبح قطاعاً عاماً بعدما كانت قطاعاً خاصاً، وتضع عندها الحكومة العديد من الحجج والأسباب لتأميمها الشركة، مثل تأمين حاجات المواطنين وخدماتهم الأساسية ومنع المنافسة، إضافة إلى منع هيمنة جهات خارجية على الاقتصاد، وقد تكون الأسباب سياسية أو استراتيجية.

لتأميم الشركات العديد من الميزات مثل منع جهات فردية من استغلال المواطنين والتحكم بحياتهم واحتكار السلع والمنتجات الأساسية والخدمية التي يحتاجها كل فرد سواء كانت الجهة التي تستغل المواطنين داخلية أم خارجية أجنبية، كما أنَّ تأميم الشركات يضمن التوزيع العادل للموارد والثروات فلا تستفيد منها فئة محددة؛ إنَّما يجعلها بمتناول مختلف أفراد المجتمع.

إقرأ أيضاً: 10 شركات ذات ثقافات تنظيمية رائعة

على الرغم من الميزات السابقة، إلا أنَّ تأميم الشركات يمتلك جانباً سلبياً وعيوباً كأن يصبح عمل الشركة محدداً بحسب الاتجاهات السياسية للحكومة، وفي حال كانت الحكومة فاسدة فهذا يعني حتماً استغلال المواطنين لتحقيق الأرباح المادية بدلاً من حمايتهم من الاستغلال، إضافة إلى أنَّ احتمال فشل عمل الشركة وتدميرها كبير، وذلك بسبب قيام الحكومة باستبدال الموظفين أصحاب الخبرات بموظفين تختارهم بناءً على عوامل خاصة بها، إضافة إلى أنَّ تأميم الشركات يخفض من المبادرات الفردية ويمنع الكثيرين من العمل واستثمار أموالهم، كما يخفض روح التنافس بين الشركات.




مقالات مرتبطة